| مقالات متنوعة | · | أفكار وفلسفة | · | شخصيات |

جوهر الذات: ورؤية والت ويتمان.

أرفضُ كل شكلٍ من الأشكال التي تُحدِد حياتنا تحت سلطة أو تأثير الجسد الاجتماعي. كنتُ أريد أن أكون أنا لذاتي، لا فناناً، ولا فكرة، ولا حتى أعمالي بنفسهالا شيء سوى أنافوق كلّ فن، فوق كل عمل، فوق كل أسلوب، فوق كل فكرة. فيتولد غومبروفيتش

(1) لستُ أفكاري، أنا مشاعري.

يقول “ميشا سليموفيتش” في روايته الموت والدرويش: «إن الإنسان ليس بما يفكر ولكن بما يفعل.» ويعقب على حديثه “علي عزت بيجوفيتش” قائلاً: «أنا لست كما أفكر، وأيضًا، وبدرجة أقل، لست كما أفعل، فكلا الأمرين، التفكير والفعل، مشروط ومتوقف على أشياء أخرى. إنني كما أريد وكما أشعر، فالتفكيرُ أمر برّاني، وحتى أفعالي غريبة عني بدرجة أكبر بل أكثر برانية. أما المشاعر فهي الأقرب للروح. إن لم تكن هي الروح ذاتها.»
إذا الأفكار ليست هي ما تمثل الإنسان. هل يظلم الإنسان نفسه عندما يحكم على ذاته بفكرة يحبس نفسه داخلها للأبد؟

أشدُّ سُجون الحَياة فكرةٌ خائبةٌ يُسْجَنُ الحيُّ فيها، لا هو مُستطيعٌ أن يدَعها، ولا هو قادرٌ أن يُحقِّقَها.
– الرافعي

(2) لستُ حتى مشاعري.

لقد تسائلت، هل نحن غير محاسبين على ما يختلج في صدورنا لأنه عارضٌ لا يمثلنا، أم لأنه يمثلنا تمامًا، عالقٌ بنا، جزء منا لا يمكننا إنكاره حتى داخلنا؟

هل نحنُ حقيقيون أكثر عندما نرى كل شيء بجلاء، أم عندما تتفاقم مشاعرنا الأقوى والأمتن كالحبّ والكراهية، فتعمى أبصارنا؟
– إيلينا فيرانتي

من يحكم على ذاته بالحزن لن يرى لذاته سبيلاً لبهجة، أو فسحة من السرور. ومن يحكم على ذاته بالبهجة القاطِعة، قد يجد ثقلاً أكثر من غيره في عيش مشاعر الحياة السلبية كالمشقّة، والحزن، والألمْ.
برأيي، المشاعر عوارض تأتي وترحل، ومن الظلم أن نعلّق ذواتنا بشعور ما، لا نرى الدنيا إلا من خلاله، أو نعرّف أنفسنا به، كحُكمٍ مطلق، نغلق على أنفسنا فيه.

إذاً ماهي ذات الإنسان الحقّة؟ ماهي هُويته؟

(3) رؤية ويتمان: لستُ عالمي.

أُحبّ السعة، ولهذا أحب تأمل قصائد والت ويتمان، الشاعر الأميركي.
الذي عبّر عن الذات بأوسع ما قد تكون.
تقبّل جوهر الإنسان. وكان يعتبر كل شيء يمر به سواء كان مثيرًا للسخط أم الرضا، مجرد أشياء، لا تمثل جوهره، ولا تكوّن كينونته. مجرياتٍ تعبر في حياته.
يعيشها، يتجاوزها، يتأثر بها وتتأثر به، لكنه لا تكون هو.
كيف عرّف ويتمان نفسه إذن؟

تأمّل، هذه القصيدة المذهلة التي يصف بها ويتمان جوهر ذاته/

ديوان أوراق العشب | قصيدة «أغنية نفسي»

وتقول الكاتبة الكويتية بثينة العيسى في هذا السياق/

(4) وقفة: محاولة للجوابِ على السؤال.

آراؤنا، مهما كانت حكيمةً أو سخيفة، مقاربة للصواب أو مجانِبةً له، لا تمثل جوهرنا. فهي دائمة التغير.
مشاعرنا، وحدّتها، ليست ذواتنا الكاملة أيضاً.
مهاراتنا، قدراتنا، حالتنا الاجتماعية، آلامنا ومعاناتنا الشخصية؛ لا تمثل حقيقتنا التامّة، وهي ليست الوجه الأمثل لذواتنا.
نحن أكثر أصالة، نحن أوجهٌ متعددة. أكبرُ من أيّ ألم، مطلبٍ اجتماعي، موهبة، فشل، شعور، أو فكرة عابرة.

" هل أناقِضُ نفسِي؟ فليَكُنْ، 
(أنا متّسع، أنا مُتعدِد) "
والت ويتمان

هذا هو البيتُ المفضّل لي من بينِ جميع أبيات ويتمان، والذي أكرره لنفسي مرارًا، وتكرارًا..

رأي واحد حول “جوهر الذات: ورؤية والت ويتمان.

أضف تعليق