| قصص قصيرة | · | مقالات متنوعة |

عبَق الشرقِ القديمْ

تسحرني ألفُ ليلة وليلة، تسحرني الأبسطة والسجاجِيد، ويسحرني الشرقْ.

خصلات شعور نساء سوداء مجدّلة تحمل عبق رائحة الياسمين الهندي الأصيل، ورجال يملكون لحىً طويلة خشنة فوق رؤوسهم عمائم بيضاء كلونِ الغيوم الملبدّة.

حسناء تكحّل عينيها الواسعتين أمام مرآة عملاقة يؤطرها المعدن الذهبي. تسمع أصوات الدفادِف تجلجل في الطرقات، والألحان العربية ترتفع، فتبدأ هي بالرقص في غرفتها الممتدّةِ المبلّطة بالرخام الفيروزي، ومع كل نغمة يهتز خلخال كعبها فتتضاعف الأنغام الساحرة لها ضِعفين.

تأخذ بجلبابها الأحمر وترتديه وتغطي وجهها بالخمار الرقيق، وتتجول عبر البضائع، حيث تغمر الأعين ألوان البهارات الحارقة، وتستنشق الأنوف روائحَ المسكِ والعود والياسمين.

هناك يُبسط السجاد بألوانه وأشكاله المنوّعة، ولا يُمَلّ من زخارفهِ المنسوجة بأيادي العديد من النساء. مخفيّات هن، مرئيات هُنّ خلف الستار الرقيق جانب السجاد، على وجوههن الضّحكات، وعلى ألسنتهن المئات من الحكايا المستعدة لتُروى.
وأياديهن -أيادي نساء وأمهات الشرق العتيقة- تتحرك بسلاسة وتمسك الخيوط وتنسج النسّيج خيطًا خيطًا.. ليصنعنَ قطعة أخرى من السجاد.

القوافل تعبر  سوق المدينة  الساحرة، والباعةُ كل واحدٍ ينادي: حيّ على بضاعتي، حي على بضاعتي. أصوات الأطفال تتعالى وهم يتراكضون وأمهاتهن بأخمرتهن السوداء يحاولن أن يهدئنهم، والفتى البائع يخافُ أن يأتي المغيبُ دون أن تمرّ محبوبَتهُ بالسوق.
المذاقات اللاّذعة، الحلويات اللذيذة، كلّ النكهات الرّاسخة في ذاكرة الشرقيين.

‏ ‏الملامح الخرساء، النظرات المتحدّثة، الوجوه المقتضبة، والأخرى المنبسطة، البشرات القمحيّة، الحواجب الثخينة ..
‏ ‏ ‏الشرق صاحِب الشمس الحارقة، والرمالِ الذهبية المتحرّكة، والإرثِ الذي امتدّ لسنينٍ طِوال.

‏الصحراء التي تلمعُ الكواكب بسمائها في الليل كأنها أرواح الرموز الشرقية القديمة؛ كلٌّ منها يحمل قصته التي يريد تمريرها لنا.
‏هُناك الألوان الصارخة في النهار، والأضواء اللامعة في اللّيالي. هناك القصص التي ألهمت خيال العالم. قِصص العُشاق، واللّصوص، والأنبياء، والسلاطين.
‏الجنّ والعفاريت لهم مكانٌ في قصص الشرق أيضًا.

‏الشرق يبدو هادئًا كصحرائه العملاقة الخالية من الحياة، بيد أنك ما إن تجرؤ على الدخول حتى تسحبُك رمالها المتحركة، وتتوه حينئذ في غمارها وتكتشف الحيوات الهائلة المخفيّة، مُستمِعًا ومتحسسًا لكل ما رُوى ومالم يُروى، كنبات صحراوّي يمتص كل قطرةِ ماء فتمتدّ جذوره بالحياة، ويتوسع.

‏هُو الشرق، هو العالم الداخلي، حيث تموج الأرواح بالحياة والصخب بينها وبين نفسها، وتستتر عن الآخرين.

طريقُك إلى الشرق [اقتراحات كتب أدبية]:

أضف تعليق