| مقالات متنوعة | · | أفكار وفلسفة |

بداية الشتاء، وحَكاوي.


موجات النسيم الباردة بدأت تهبّ، بديهية أدركتها مؤخراً:
ما هو محبب إليك ليس كذلك لغيرك.

بينما أسير في ملعب الكرة في المدرسة مستمتعة
بالرياح التي تعيق سيري وتعبث بخصلات شعري، قالت
الرفيقة التي تسير بجانبي شيئاً لا أذكره على وجه
التحديد، لكني أتذكر مضمونه، فسأخترع جملة ما:
“الجو جميل لولا هذه الرياح، فلنعد إلى الداخل.”

بالنسبة إليّ، الرياح مرادف للجوّ الحسن، بل لا يكون الجو في أحسنِ أحواله إلا عند هبوب الرياح!

أبدأ بإخراج الثياب الشتوية، أحاول ابتكار تنسيق ملائم وبهيّ من قطعٍ عديدة أمامي، ثم اتحسر لأنني في بلد يغلب عليه الجو الحارق وأنا أحب البرودة، والشتاء، والرياح.

في كل سنة أنتظر الشتاء وبداياته بفارغ الصبر (يسمى الخريف، لكني أحب دعوته ببداية الشتاء)، لكي أستمتع بلحظاته، وطيلة العام الباقية أشعر بالحنين إليها.

الملابس الدافئة ذات الألوان المُبهجة التي أرتديها، الموسيقى الكلاسيكية التي استمع لها بسماعاتِ الأذنين، الصفحات التي أملؤها كتابة، والمشروبات الساخنة التي أعدها.

نوعان من الناس: من تقول لهم بقي عشرة دقائق على الموعد، فيردون بـ”باقي وقت كثير، خل نكمل”، يُكملون ما بين أيديهم، أو حديثهم، أو يذهبون لشراء كوب قهوة
ويعودون. فهم يتمتعون ببالٍ طويل وهادئ.

ومن تقول لهم ذات الجملة، فيقولون “ما بقى شيء..”
وتظهر أفكارهم القلقة على أفعالهم، فيبدؤون بتجهيز
أنفسهم، أو التصنّم في مكانهم لا يبرحونه مُنتظرين بصمت.

تحكي لي أختي حكاية تقول أنها حدثت منذ زمن طويل،
فأتخيلها قبل بضعة سنين أو أشهر على أفضل تقدير، ثم
أدرك أنها تقصدُ بـ”زمن طويل” أسبوعين فقط لا غير،
وأبدأ بالشرح لها أن أسبوعين فترة قصيرة جدًا، أبعد ما
يمكن أن تصفها به أن تقول “قبل فترة”.

إذن، الأشياء المحببة لي ليست محببة للآخرين دومًا،
وتقييمي للوقائع قد لا يوافق تقييمهم.

كل فردٍ يحمل عقله وقلبه ورؤيته وتقييمه الخاص للأمور ويسيرُ غير مدرك لاختلاف بواطن الآخرين عنه كثيرًا.

حتى في هذا الناس مختلفون، من يرى الاختلاف أزمة
مرفوضة، ومن يراه مثلي شيئًا مذهلاً لا أستطيع احاطته دومًا لكني أحاول ذلك ما استطعت.

أضف تعليق