| مقالات متنوعة | · | أفكار وفلسفة |

محطّات كانون الأوّل: علامَ لا تتبسم؟

إهداء ديسمبر الخاص: إلى حنين.

(1)
في بازار الحيّ اللطيف، شعرت بنفسي كشخصية رئيسة لمسلسلٍ ما، في حلقة ما، وجميعُ سكان الحي رفاقي.
أن ترى وجوه الناس المبتهجة لهو نعيم، لهو أمر بديع. فهذا لا يعني أن الأجواء حولك بخيرٍ فحسب، بل يعني شيئًا أعظم، وهو أنك يقينًا تدرك معنى الجمال، وتتحسسّ بقدرة عالية أماراتِ السعادة. وهذا يشيرُ إلى امتلاك الفرد لروحٍ نبيلة، والنُبل ضده إضمار الشر للآخرين، بل هو الفرحُ لفرحهم.

زهرةُ ديسمبر الحسناء


تجولت، مندهشة، ومستمتعة. البضائع كثيرة، فهذا هو القرن الواحد والعشرين، قرنُ الاستهلاك. ولا أخفيك، بأنني أحب أن استهلك. وما أراه دومًا ولا أقاوم رغبتي في شراءه، هو الورد. وردة جوري غالبًا، بلونٍ ما، وبخمسة ريال، ربما أكثر بعض الأحيان. أجل، أشتري الورد لكي اتأمله، وأبتهج به، وأستنشقه، واحتفظ به حتى يذبُل. وأحيانًا أحتفظ به حتى بعد ذبوله.

الكُتب، بالطبع أيضاً، لا تقاوم. لا أستطيع تركها وشأنها تحملق فيّ من بعيد. فهي كالمغناطيس، تجذب القراء.
وذلك اليوم كان أول ما اشتريته كتابٌ صغير هو قصّة ”الجميلة والوحش Beauty and the Beast“، لديزني. كُتب الأطفال المصورة، لها متعتها الخاصة، لا أظن أني سأتجاوزها في أيّ عمر.
وكنت قد ألفت شعارًا لفظيًا، كان:

(هي نعمة أن تكون قارئًا، ومحبًا لديزني.🔮
Being a Reader and Disney lover is a blessing.)

/ Beauty and the Beast /



أصناف طعامٍ من صنع اليد، عبايات شتوية، دمى ملونة من الصوف تمت حياكتها بفنِ الكروشيه، شاي الجمر للَيالي الشتاء، والحلوى هي حلوى الشام! يهديني العم السوري عينة مجانية من حلوى “الفستقية”، ويغدق بكرمه بإعطائي فنجان قهوةٍ عربية صغير “شو ما يصير ما نقهويكي“.

المغزى لدي دومًا هو الوقوف والمشي، والتسكعُ بذاته غاية وهدف.
لا أحبذ الجلوس، أحب أن أسير، لا لشيء إلا للتأمُل. لِمَ قد يجلس المرء، وبإمكانه أن يمشي؟ المتعة تكمن في اجتياز المسافات الطويلة.  فلتمشِ ببطء، أو بسرعة معتدلة. لكن إن اضطررت للمَيْل فمِل دائمًا للبطء! ولا تُسرع.

✧ عندما حلّ المساء، أضاءت المصابيح المُعلّقة.


يكفي أن ترى الشارع ليلًا مزدحمًا بالناس وضجيجهم، مع أضواءه الخافتة، لكي تعرف معنى المتعة. هذا الضجيج، هو الوحيد من نوعه، الذي يمنحني شيئًا من سكينة الروح.

(2)
حيّ على القراءة

إثراء مكانٍ آخر للروح، روحي القارئة.
للمرة الثانية، شاركت في مسابقة “أقرأ“. العام ٢٠٢٠، شاركت بمراجعة لرواية الشيطان والآنسة بريم. وترشحت للمرحلة الثانية (مرحلة المقابلات الشخصية)، لكني لم أجتزها؛ رغم ذلك كنت قد استمتعت كثيرًا بشعور الحماس العالي عند انتظار النتائج، وسعِدت لكوني جربت أشياء جديدة، كإجراء مقابلة شخصية مع فريق التحكيم، وحضور نقاشات ثانوية ثقافية وأدبية مع المشاركين في قروب إلكتروني. (لا أنسى عراكاتهم العجيبة أيضاً).

إثراء كطيف بعيد | Ithraa

العام هذا، شاركتُ بمراجعتين، الأولى لرواية أربطة الإيطالية، والأخرى كتاب سيرة-ذاتية لمالكوم إكس. كلاهما قد ترشّحا.
أجريت المقابلة الشخصية عن بُعد، يوم السبت بتاريخ العاشِر من ديسمبر.

بدت لي أسئلة اللجنة دقيقة، وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على مُراجعتي: النقاط التي كتبتها، والتي أصريت عليها.
جاوبت بما أراه، بما أؤمن به، بما أعتقده. وهذا يكفيني ويُرضيني ~

رسالة لبّت ندائي الشغوف!

لافتة فلسفة/
عندما تقبلُ أخطائك، وحمقك بعض الأحايين، حينها تسيطر عليهما ولا يعود لهما سلطان عليك. وسيمكنك ذلك من رؤية محاسنك ومناقبك القيّمة. أما إن ضخمتها، فستُعمي بصيرتك وتستحوذ عليها فلن ترى إلا إياها، وتمنحها قدرًا كبيرًا لا تستحقه. وبهذا فأنت تزيدها، ببساطة.
والكلام أسهل من الفعل، والإدارك الحقيقي أصعب من كليهما.

(3)

فطيرة التُفاح، كعكة تمر بالزبدة، شاي كَرك.
‏(الشتاء موسم العشاءات اللانهائية).

‏صنعت في الأسابيع الأخيرة هذه الحلويات اللذيذة، ومشروب الكرك علمني عدم الاستسلام، وجدوى تكرار المحاولة!
‏أول مرة أعددته كانت كمية السكر المكرمل قليلة، وأخرى أنقصت فيها الحليب المبخر، والعديد من الأخطاء والكميات غير الموزونة. في المرة الثالثة، أعددته بشكل مُرضٍ جدًا، فكان السكّر موزونًا والشاي ثقيلاً والنكهة طيّبة وبارزة.



‏فطيرة التفاح صنفٌ غريب من الحلوى تذكرني بالكلاسيكيات القديمة، الخمسينات 50s، وشخصية “تري ترانكس Tree Trunks” الفيلة صانعة فطيرة التفاح في المسلسلِ الكرتوني المفضّل “وقت المغامرة”.

فطيرة التفاح خاصتي ✧
سكيتش رسمته لكرتوني المفضّل xx
Tree Trunks & Apple Pie

‏أحب تجربة إعداد أصنافٍ جديدة، أعتقد أن الطهو أو الخَبْز تحديدًا إحدى هواياتي، لكنه ليس إحدى مواهبي.

‏تحدثتُ عن فلسفة الخَبْز، وكيف أنه يعدّ عند العديد من الغربيين وسيلة شفائية، وطريقة مثالية لتخفيف الضغط والتوتر. لقد شعرت بذلك فعلاً كل مرة كنت أعدّ فيها صنفًا ما، فمزج المكونات أمر ممتع يبعث على الاسترخاء، وهو مُرضٍ للنفس.

(4)

” – لا أريد التحدث بهذا الشأن، أيها الطبيب.
– إذًا، فلتكتبه.
– ‏ ‏أكتبه؟!
– ‏لقد قُلتَ بنفسك أن الكتابة تُشعرك بالارتياح.
– ‏ ‏وعن ماذا أكتب؟
– ‏ ‏عن أي شيء. أيّ شيء يشعرك بالارتياح، ذكرى، فكرة، أو حتى مكان. أكتُب. “
حوارٌ مقتبس من رواية.

للبشرِ طرقهم في التعبير؛ لا يجوز اختزالها في الحديث فقط. هناك الطهو، الرسم، الإنصات، الدعاء، الرقص وتحريك الجسد، وهناك الكتابة.

من تشعره الكتابة بالارتياح، لا يتركها.
من يجيدُ التعبير بالقلم، لا يفلته.

فينسنت فان جوخ كتب قُرابة ألفين رسالة خطيّة يشرح فيها غالبًا لأخيه “ثيو” أفكاره، مشاعره، طموحاته، ما يحتاجه من ألوان وأقمشة للرسم، آخر السكتشات التي رسمها، وما وصل إليه من خططٍ في طريق تطوير فنّه.

من رسائل فان جوخ

وكوداعية لهذه التدوينة، أترك لكَ أبياتًا أحببتها من قصيدة “كم تشتكي” للشاعر اللُبناني إيليا أبو ماضي.


كَم تَشتَكي وَتَقولُ إِنَّكَ مُعدِمُ
وَالأَرضُ مِلكُكَ وَالسَما وَالأَنجُمُ

وَلَكَ الحُقولُ وَزَهرُها وَأَريجُها
وَنَسيمُها وَالبُلبُلُ المُتَرَنِّمُ

وَالماءُ حَولَكَ فَضَّةٌ رَقراقَةٌ
وَالشَمسُ فَوقَكَ عَسجَدٌ يَتَضَرَّمُ

هَشَّت لَكَ الدُنيا فَما لَكَ واجِماً
وَتَبَسَّمَت فَعَلامَ لا تَتَبَسَّمُ؟

إِن كُنتَ مُكتَئباً لِعِزٍّ قَد مَضى
هَيهاتِ يُّرجِعُهُ إِلَيكَ تَندمُ

أَو كُنتَ تُشفِقُ مِن حُلولِ مَصيبَةٍ
هَيهاتِ يَمنَعُ أَن تَحِلَّ تَجَهُّمُ

أَو كُنتَ جاوَزتَ الشَبابَ فَلا تَقُل
شاخَ الزَمانُ فَإِنَّهُ لا يَهرَمُ

أُنظُر فَما زالَت تَطُلُّ مِنَ الثَرى
عُصورٌ تَكادُ لِحُسنِها تَتَكَلَّمُ

ما بَينَ أَشجارٍ كَأَنَّ غُصونَها
أَيدٍ تُصَفِّقُ تارَةً وَتُسَلِّمُ

فَاِمشِ بِعَقلِكَ فَوقَها مُتَفَهِّماً
إِنَّ المَلاحَة مُلكُ مَن يَتَفَهَّمُ

أَتَزورُ روحَكَ جَنَّةٌ فَتَفوتَها
كَيما تَزورُكَ بِالظُنونِ جَهَنَّمُ

وَتَرى الحَقيقَةَ هَيكَلاً مُتَجَسِّداً
فَتَعافُها لِوَساوِسٍ تَتَوَهَّمُ

يا مَن يَحُنُّ إِلى غَدٍ في يَومِهِ
قَد بِعتَ ما تَدري بِما لا تَعلَمُ

قُم بادِرِ اللَذاتِ قَبلَ فَواتِها
ما كُلُّ يَومٍ مِثلُِ هَذا مَوسِمُ

وَاِشرَب بِسِرِّ حُصنِ سِرَّ شَبابِهِ
وَاِروِ أَحاديثَ المُروءة عَنهُمُ

المُعرِضينَ عَنِ الخَنا فَإِذا عَلا
صَوتٌ يَقولُ إِلى المَكارِمِ أَقدَموا

الفاعِلينَ الخَيرَ لا لِطَماعَةٍ
في مَغنَمٍ إِنَّ الجَميلَ المَغنَمُ

أَنتَ الغَنِيُّ إِذا ظَفِرتَ بِصاحِبٍ
مِنهُم وَعِندَكَ لِلعَواطِفِ مَنجَمُ

رَفَعوا لَدينِهِم لِواءً عالِياً
وَلَهُم لِواءٌ في العُروبَةِ مُعلَمُ

إِن حازَ بَعضُ الناسِ سَهماً في العُلى
فَلَهُم ضُروبٌ لا تُعَدُّ وَأَسهُمُ

لا فَضلَ لي إِن رُحتُ أُعلِنُ فَضلَهُم
بِقَصائِدي إِنَّ الضُحى لا يُكتَمُ

لَكِنَّني أَخشى مَقالَةَ قائِلٍ
هَذا الَّذي يَثني عَلَيهِم مِنهُمُ

أَحبابَنا ما أَجمَلَ الدُنيا بِكُم
لا تَقبُح الدُنيا وَفيها أَنتُمُ

رأي واحد حول “محطّات كانون الأوّل: علامَ لا تتبسم؟

  1. أصعب ما يُواجه قارئ تدويناتك، هو التعليق عليها. أستطيع بكل سهولة أن أصف هذه التدوينة بالرائعة، المُبهرة، والمثالية أيضًا. لكنني -حتى وإن وصفتها بهذه الكلمات وأكثر- لا أستطيع تجاوز شعور أنني لم أعطِ الجمال حقه. يميُّزكِ أسلوبٌ سهلٌ ممتنع. تختارين كلمات في غاية البلاغة والأخرى في غاية البساطة. ولا أعتقد أن أمرًا أنجح من هذا. تدويناتٌ صادقة، خاليةٌ من أيِّ ابتذال. أخيرًا، سكت الكلامُ عن الكلام. شُكرًا على الإهداء وكلِّي امتنانٌ بوجود اسمي في هذه التدوينة الغنية بالجمال💜💜💜💜💜💜

    Liked by 2 people

أضف تعليق